مجموعة "لاس ميغاس" الاسبانية على ركح مهرجان الحمامات الدولي: نساء يُعدن كتابة الفلامنكو بلغة الحرية والتجريب

وقد حمل العرض توقيع أربع نساء أعدن تعريف الفلامنكو خارج قوالبه التقليدية وجرّدنه من طابعه النمطي ليصبح مجالا مفتوحا للتجريب والتعدد والانتماء الحر.

وجاء العرض في الحمامات كرحلة موسيقية متكاملة تتحرك فيها المجموعة بسلاسة بين مقطوعاتها، وكأن كل واحدة منها فصل من سيرة ذاتية جريئة خاطبت العقل والروح معا.

افتتحت السهرة بمقطوعة "Grito" التي كانت إيقاعاتها سريعة راقصة. ثم انتقلت المجموعة إلى "Tangos de la Repompa" التي أعادت الجمهور إلى أجواء الفلامنكو التقليدي. أما أغنية "Una mica més" باللهجة الكاتالونية أكدت من خلالها الفرقة قدرتها على المزج بين الموسيقى والهوية المحلية. وتنوّعت بقية المقطوعات بين العاطفة والاحتفال وبين الحب والانتماء في دعوة للتمسك بالحياة والانفتاح على الآخر

أما الجمهور التونسي والأوروبي الذي تابع العرض، فقد تجاوب بانسجام مع كل نغمة وتماهى مع الإيقاعات بالتصفيق ورقص بعضهم مع كل نوتة موسيقية. وخرج في نهاية العرض بخطى متباطئة وكأنه لم يشبع من لحظة فنية لم تكتمل بعد.

واختارت الفرقة اسم "لاس ميغاس" ويعني "الفتات" أو بقايا الخبز في إحالة رمزية إلى طبق إسباني تقليدي بسيط لكنه غني في مكوناته. وهذه التسمية كانت حاملة لتوجه الفرقة وأفكارها وفلسفتها الموسيقية وهي أخذ ما تبقى من الفلامنكو التقليدي وإعادة جمعه وتشكيله برؤية معاصرة تتغذى من تنوّع الخلفيات والأنماط الموسيقية الأخرى.

وقد تحول اسم "لاس ميغاس" نفسه إلى استعارة موسيقية، فجعلن من الفتات موسيقى ثرية بالإيقاعات ومتنوعة الأنماط ومشبع في المضمون فكريا وعاطفيا. وهذا ما تعكسه موسيقاهنّ بما هي توليفة صلبة وحرّة تتحرك في الزمن دون أن تسجن فيه.

وتأسست "لاس ميغاس" سنة 2004 في برشلونة. وتتكون من أربع فنانات موسيقيات هن "مارثا روبلس" و"أليسيا غريو" و"روسر لوسكوس" و"كارولينا لا تشيسبا". ولكل واحدة منهن خلفية فنية مختلفة تمتد من الفلامنكو الكلاسيكي إلى الجاز ومن الفادو إلى الموسيقى اللاتينية. هذا التنوع انعكس في هوية موسيقية متحررة. وقد رافقهن في هذا العرض عازف على آلة التشيللو وعازفة على الباتري.

وجمع العرض بين البعد الفني والموقف الثقافي والفلسفي، وقد سعت "لاس ميغاس" من خلال موسيقاها لاستعادة التراث من ناحية ثم تفكيكه وإعادة تركيبه وفق رؤى معاصرة تتجاوز الحدود من ناحية أخرى دون أن تتنكر لجذورها الأندلسية أو الكاتالونية. فغذت موسيقاها بأنماط الجاز والفادو والبوسا نوفا لكنها ظلت في المقابل وفية لروح الفلامنكو.

في تجاوز للصورة النمطية للمرأة في المشهد الفني، قلبت "لاس ميغاس" المعادلة. إذ تتولى هذه الفرقة النسوية الغناء والعزف والتأليف وقيادة الفرقة. وقد أثبتن أن الفلامنكو يمكن أن يروى بصوت أنثوي لا بوصفه استثناء بل بوصفه قاعدة جديدة تعكس قدرة المرأة على صياغة رؤيتها الخاصة للعالم.

ولذلك لا عجب أن تتوّج هذه التجربة بجائزة Latin Grammy لأفضل ألبوم فلامنكو سنة 2022 بعد ثلاث ترشيحات متتالية. وهو تتويج بمثابة اعتراف بمشروع فني صبور ومتماسك أعاد للفلامنكو مكانته بوصفه لغة متجددة لا تقبل الانغلاق أو الجمود.

ومن إيقاعات الفلامنكو، يتجدد الموعد مع الموسيقى التونسية الأصيلة في سهرة اليوم الخميس 31 جويلية، إذ يصافح جمهور الدورة 59 لمهرجان الحمامات الدولي الفنان لطفي بوشناق الذي تعددت إنتاجاته الموسيقية وتنوعت، فغنى للوطن والمرأة والحب والتسامح والعدالة الإنسانية. وتناولت أغانيه قضايا إنسانية واجتماعية وحتى سياسية، وبرزت في أعماله رسائل عن الحرية والعدالة خاصة تجاه القضية الفلسطينية.

Sat Lights

شارك في نشرتنا الاخبارية واحصل على صور حصرية & ورسالتين اخباريتين كل شهر